محافظ شقراء يفتتح المكتبة.. غداً
يفتتح محافظ شقراء عادل بن عبدالله البواردي غدا السبت، دار الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف --رحمه الله-- قاضي شقراء السابق، بحضور أحفاد وأسباط الشيخ إبراهيم، وذلك في الساحة المقابلة لمسجد الحسيني بالبلدة التاريخية.
ومكث حفيد الشيخ د. صالح بن عبدالعزيز بن إبراهيم العبد اللطيف 12 عاماً في عملية البحث والتجهيز لهذه الدار والمكتبة، وهي دار شهدت زيارة تاريخية من الملك المؤسس عبدالعزيز --رحمه الله--، وتضم مكتبة تحتوي على رسائل من الإمام عبدالرحمن الفيصل والملك عبدالعزيز، ووثائق تاريخية واجتماعية عن مدينة شقراء وإقليم الوشم، وفتاوى وإجازات وخطب منبرية، ومخطوطات، تتناول عدة مجالات مختلفة.
المؤسس صلى عليه صلاة الغائب
وتعليقاً منه على تنظيم الحفل الذي دعت إليه أسرة الشيخ إبراهيم يقول حفيده د. صالح بن عبدالعزيز آل عبداللطيف: "إن الشيخ -رحمه الله- كان له دور غير تقليدي في الشأن العام، حيث حرر بنفسه وبحضور أهل الحل والعقد الوثيقتين الخاصتين بإنشاء سوق حليوه في شقراء ومواصفات بنائه واستثماره عام 1351هـ، كما حرر الوثيقة الخاصة بتنظيم سيل وادي العشرة وسبل الإفادة منه بحضور كافة أصحاب المزارع الكثيرة التي تقع عليه واتفاقهم، وكان قبلها مصدر نزاعات بينهم، وذلك عام 1350هـ".
وكان ذا مكانة خاصة لدى الملك عبدالعزيز الذي أثنى عليه في عدة مناسبات ورسائل، ووصفه في إحداها بأنه "محل الروح"، وزاره في بيته في شقراء، وعندما توفي في 18 شوال سنة 1352هـ صلى عليه جمع غفير في شقراء وبلدان الوشم، وعلم الملك المؤسس عبدالعزيز بذلك فبكى وترحم عليه، وأمر بأداء صلاة الغائب عليه في الرياض، وعزى أولاده، كما أمر بذلك أيضاً الأمير عبدالله بن جلوي أمير الأحساء، وأجل إمام وخطيب جامع أشيقر الصلاة عليه إلى اليوم الثاني، لأنه كان يوم استسقاء ليصلي عليه أكبر عدد ممكن من الناس، كما رثاه الأديب المشهور محمد بن عبدالله بن بليهد بقصيدة طويلة مؤثرة يوردها كل من ترجم له.
وقال عنه الطبيب الأميركي لويس ديم -الذي رأس بعثة طبية لمعالجة المرضى في شقراء وعنيزة وبريدة عام 1342هـ بترتيب من الملك عبدالعزيز-: إنه "كان في مقدمة الذين أعطيتهم كل الاحترام والتقدير من بين المئات الذين قابلتهم في جزيرة العرب".
فتاوى ومخطوطات نادرة
وتقول حفيدته د. لطيفة بنت عبدالعزيز العبد اللطيف -أستاذة الآداب بجامعة الملك سعود-: إن مكتبة الشيخ إبراهيم -رحمه الله- كانت تحتل جانباً كبيراً من اهتمامه، حتى إنه أكد في وصيته على ضرورة الحفاظ عليها من خلال جملة طويلة جداً، نظراً لعدم وجود مطابع حينها في نجد، إذ كان الحصول على الكتاب لا يتم إلا عن طريق نسخه يدوياً، وقد أفنى كثيراً من وقته في جمع موادها، فحفظت تراثاً وطنياً يشمل رسائل ملوك، مثل رسائل الإمام عبدالرحمن الفيصل والملك المؤسس عبدالعزيز، وفتاوى متعددة لعلماء نجديين وغيرهم، وإجازات علمية، ومخطوطات ووثائق في مجالات متعددة من أهمها أوراق ونقولات لشيخيه الجليلين أحمد بن إبراهيم بن عيسى وعلي بن عبدالله عيسى والمؤرخ المشهور الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى وغيرهم، وقد أوقف هذه الثروة العلمية في وصيته لأولاده ولمن يريد الاستفادة منها، وقد نفع الله بها، حيث أهدى ابنه الشيخ محمد صندوقاً خشبياً كبيراً يزخر بالمخطوطات والوثائق لمكتبة شقراء العامة عند افتتاحها في ثمانينات القرن الهجري الرابع عشر المنصرم، نقلت بعدها إلى مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض عند تأسيسها.
أما الجزء الآخر من المكتبة فقد احتفظ بمعظمها ابنه الشيخ عبدالعزيز في الطائف، حيث كان وقتها يقيم، واستفاد منها كثير عن طريق الإعارة أو القراءة، ثم آلت بعد وفاته إلى حفيده د. صالح بن عبدالعزيز العبد اللطيف الذي أمد كثيراً من المؤلفين والمحققين والباحثين بصور من رسائل ووثائق ومخطوطات نادرة لا يتوفر بعضها عند غيره، وقد شكروا ونوهوا بذلك في إنتاجهم العلمي، كما أمد دارة الملك عبدالعزيز بالرياض بصور من رسائل الإمام عبدالرحمن الفيصل والملك عبدالعزيز إلى الشيخ إبراهيم، وأتاح للدارة تصوير مخطوطات ووثائق أصلية بعضها من مكتبة أحد أهم مؤرخي نجد الشيخ صالح إبراهيم بن عيسى وغيرها، ولتسهيل الإفادة من مكتبته وُضعت صور لمعظم ما تحويه من مخطوطات ووثائق وغيرها من بيته في شقراء الذي تم ترميمه وافتتاحه.
سمات شخصية مميزة
ويشير د. عبداللطيف الحميد أستاذ التاريخ وصاحب دار تراث الوشم، إلى ما اتسم به الشيخ -رحمه الله- من سجايا، فيقول: "يعد فضيلة الشيخ الوقور إبراهيم بن عبداللطيف آل عبداللطيف -رحمه الله- من أبرز علماء وقضاة شقراء وسائر الوشم، ومن أميز أئمة جامعها الكبير ومعلمي القرآن والجلوس للتدريس والفتيا وتدوين الوصايا والبيوع والأوقاف، وقد عاصر 33 عاماً من حكم الملك عبدالعزيز، الذي كان يستفتيه ويستشيره في كثير من الأمور لما عرف منه من حكمة وعلم ورأفة".
ولما قدم الطبيب الأميركي ديم لعلاج الناس بتوجيه الملك إلى شقراء، عجب من سمو ونبل الشيخ ورقيه في الحوار معه، وكونه يرغبه في دين الله بالتي هي أحسن.
وهكذا كان هذا الشيخ المبارك علماً وخلقاً وفقهاً ونفعاً، وسار على نهجه في القضاء ابنائه الشيخان: عبدالعزيز وعبداللطيف، ورحم الله الجميع.
60 عاماً في خدمة شقراء
من جهته قال والد أسباط الشيخ، العميد متقاعد عبدالله الغريري: إنه يتشرف بتلبية دعوة د. صالح العبد اللطيف لافتتاح منزل جده الشيخ إبراهيم -رحمه الله-، الذي يعد متحفاً تاريخياً لشخصية فذة خدم أهل الوشم وخاصة شقراء لمدة ستين عاماً تقريباً، وتتلمذ على يديه عدد من القضاة والعلماء وأئمة المساجد ورجال التعليم والحسبة، وخلف مكتبة أفنى عمره بجمعها، و"أشكر ابنه د. صالح لما قام به من جهد لإبراز أعمال والده الخيرة، ووثائقه التاريخية. وبارك الله بجهود د صالح ورحم الله شيخنا وجمعنا به بالفردوس الأعلى وجزاه الله خيراً عن أهل شقراء خاصة والمسلمين عامة لما قدمه من أثر طيب".
التعريف بالشيخ إبراهيم
اسمه كاملاً: أبو عبدالله إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالله بن عبداللطيف بن محمد الباهلي، ولد سنة 1271هـ في عنيزة، وانتقل به والده صغيراً إلى شقراء حاضرة إقليم الوشم.
حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو في الثانية عشرة من عمره، وقدمه جماعته في شقراء للإمامة وهو لا يزيد على العشرين، وتتلمذ على والده وعلى علماء أجلاء في شقراء، وعلماء من الرياض عند ترددهم على شقراء.
تولى الإمامة في مسجد الحسيني بشقراء بأمر من الإمام عبدالرحمن الفيصل، وجامع شقراء الذي مكث فيه نحو خمسين عاماً، واشتهر خلالها بصفات نادرة حيث لم يسه قط في الصلاة، أو يخطئ في القراءة، أو يتخلف عن الإمامة إلا في حال المرض، وخدم أهل شقراء والوشم مدة ستين عاماً من خلال توثيق معاملاتهم توثيقاً شرعياً من مبايعات ووصايا ووقفيات ومداينات ومزارعات وغيرها، لثقة الناس به، وقلة المتعلمين آنذاك. وكان صاحب حلقات تعليم في مسجد الحسيني وجامع شقراء امتدت لأكثر من نصف قرن، حيث تتلمذ عليه أعداد لا تحصى من القضاة والعلماء وأئمة المساجد ورجال التعليم والحسبة والوجهاء والعامة وغيرهم.
ولاه الملك عبدالعزيز قضاء الوشم وتوابعه بعد ترشيح العلماء له في الرياض عام 1337هـ، واستمر فيه إلى وفاته عام 1352هـ، واشتهر خلالها بالتقى والورع والعدالة والتواضع ومحبة الناس فأجلوه وبادلوه حباً بحب، ولا يخلو كتاب عن علماء نجد من ترجمة له وثناء عليه؛ وقد سار على نهجه القويم أبناؤه عبدالله ومحمد وعبدالعزيز وعبداللطيف وصالح وبناته الثلاث حصة ولطيفة وهيلة؛ وصلاح الآباء يدرك الأبناء بل والأحفاد إذا منّ الله عليهم بذلك.
وكان -رحمه الله- مخلصاً وداعماً لمشروع توحيد البلاد المبارك، وكان من الشخصيات الذين دعاهم الملك عبدالعزيز لحضور مؤتمر الجمعية العمومية في الرياض عام 1347هـ الذي جددت له فيه البيعة، وأسس دعائم الاستقرار، ومن ثم نجاح ملحمة التوحيد، كما كان من القضاة الذين كلفهم الملك المؤسس مع آخرين بجمع احتياجات المجهود الحربي إبان عملية التوحيد وتسليمه لبيت المال في الوشم، وجهز أحد أولاده بالراحلة والسلاح، وأرسله في إحدى المعارك تحت لواء أهل الوشم.
الشيخ حمد الجميح
وشكر سبطه الشيخ حمد بن عبدالعزيز الجميح الدكتور صالح العبداللطيف حفيد الشيخ على اهتمامه بالدار وتجهيزها للزوار وإعداد اللوحات التوضيحية لخدمة الباحثين والمهتمين بتاريخ المملكة.
الشيخ أبوعبدالرحمن
ابن عقيل الظاهري
من جهته بارك الشيخ أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري هذه المبادرة الوطنية وشكر القائمين عليها على الجهود المبذولة في تجهيز الدار والمكتبة بالوثائق واللوحات وإتاحتها للزوار والباحثين وتكمن أهميتها للقيمة التاريخية التي تحملها حيث عاصر الشيخ ابن عبداللطيف بدايات تأسيس هذا الكيان العظيم على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-
إرسال تعليق